إن الاقتصاد المصري، الذي كان مدعوماً في السابق بطبقة متوسطة مزدهرة وخطط تنمية طموحة، يجد نفسه الآن في قبضة أزمة طويلة الأمد. وسط سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي يدعمها صندوق النقد الدولي، تنهار الطبقة الوسطى، التي طالما اعتبرت العمود الفقري لأكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان، تحت وطأة ارتفاع التكاليف وانخفاض القوة الشرائية.
من الأدوات المنزلية الأساسية إلى الكماليات الصغيرة، يكافح العديد من المصريين لتوفير ما كان يعتبر في السابق من الضروريات. وكانت توصيات صندوق النقد الدولي ـ تحرير أسعار الصرف، وخفض إعانات الدعم، وتنفيذ تدابير التقشف المالي ـ سبباً في تفاقم الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات ولم تظهر سوى علامات قليلة على انحسار الأزمة.
بالنسبة لنورهان خالد، 27 عامًا، فحتى الأشياء الصغيرة مثل العطور والشوكولاتة بعيدة عن متناولها.
قالت وهي تتسوق في أحد المتاجر الكبرى في غرب القاهرة: “كل راتبي يذهب إلى النقل والطعام”. توقفت أمام عربتها، تزن ضرورة كل قطعة.
وبالمثل، اضطرت زينب جمال، ربة منزل تبلغ من العمر 28 عاماً، إلى تقليل استهلاك أسرتها للمنتجات الأساسية مثل الحليب.
وقالت: “لم نعد نشتري الحلويات وقلصنا استهلاكنا للحليب”، مسلطةً الضوء على المقايضات الصعبة التي تواجهها أسرتها يومياً.
وتسلط هذه التعديلات الضوء على تحول زلزالي في أنماط الحياة، وخاصة بين الطبقة المتوسطة. وتذكر منار، 38 عاما، وهي أم لطفلين، التناقض الصارخ بين طفولتها والصراعات الحالية التي تواجهها أسرتها.
وقالت: “لقد تغير نمط الحياة الذي نشأت عليه تماماً”. وعلى الرغم من أنها حصلت على وظيفة تدريس بدوام جزئي لزيادة دخل أسرتها إلى 15 ألف جنيه مصري (حوالي 304 دولارات)، إلا أن أسرتها تعتبر الآن الأنشطة الرياضية للأطفال “ترفًا”. وحتى استهلاك اللحوم انخفض، حيث تم تخفيض الوجبات التي كانت تتضمن أربع مرات في الأسبوع إلى وجبتين فقط.
وفي أغسطس/آب، رفعت مصر أسعار الوقود للمرة الثالثة في عام 2024، بزيادة 17.5%، مما أدى إلى تفاقم تكاليف النقل والمعيشة. وهذه الإجراءات جزء من برنامج قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار، والذي تم توسيعه هذا العام من 3 مليارات دولار في البداية لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي في مصر.
وبينما يعتبر صندوق النقد الدولي هذه السياسات ضرورية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، فإن تنفيذها أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء والدواء والنقل. خبراء ومواطنون يحذرون من تداعيات خطيرة على المواطن المصري العادي.
قال وائل جمال، مدير وحدة العدالة الاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: “كان للإصلاحات الحالية تأثير أقوى على الناس من الإصلاحات السابقة”. وأشار إلى أن التنفيذ التدريجي كان من الممكن أن يخفف من بعض العواقب.
وقد تضاعف الدين الخارجي أربع مرات منذ عام 2015، ليصل الآن إلى 160.6 مليار دولار في الربع الأول من عام 2024. وقد تم توجيه جزء كبير من هذا الدين إلى مشاريع البنية التحتية الطموحة، بما في ذلك العاصمة الإدارية الجديدة المترامية الأطراف في شرق القاهرة. ويقول المنتقدون إنه على الرغم من أن هذه المشاريع قد تعد بفوائد طويلة الأجل، إلا أنها ساهمت في الضغوط الحالية على الميزانية دون توفير الإغاثة الفورية للمواطنين.
وزادت الحرب المستمرة في غزة من مشاكل مصر. وكانت الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن في البحر الأحمر، والتي نُفذت تضامناً مع الفلسطينيين، سبباً في خفض عائدات قناة السويس ــ وهي مصدر حيوي للنقد الأجنبي ــ بنسبة تزيد على 70% هذا العام.
ودفع الإحباط العام بشأن ارتفاع التكاليف وانخفاض الإيرادات المسؤولين إلى الإشارة إلى تغييرات محتملة في البرنامج الذي يدعمه صندوق النقد الدولي. وفي الشهر الماضي، ألمح الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحاجة إلى إعادة التقييم.
وقال السيسي: “إذا كانت هذه التحديات تجبرنا على ممارسة ضغوط لا تطاق على الرأي العام، فيجب مراجعة الوضع مع صندوق النقد الدولي”. كما أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للمواطنين أنه لن يتم فرض أي أعباء مالية إضافية “خلال الفترة المقبلة”، دون ذكر تفاصيل حول الجدول الزمني.
إن المأزق الحالي الذي تعيشه مصر ليس غير مسبوق. في عام 2016، شرعت الحكومة في برنامج قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار مدته ثلاث سنوات، مما أدى إلى إصلاحات كبيرة، بما في ذلك الإصلاح الأول في سلسلة من تخفيضات قيمة العملة. ومنذ ذلك الحين، فقد الجنيه المصري الكثير من قيمته، حيث أصبح الدولار الأمريكي يساوي الآن أكثر من 49 جنيهًا مصريًا.
وفي حين انخفضت معدلات الفقر رسميًا من 32.5% في عام 2019 إلى 29.7% في عام 2020، فإن هذه الأرقام لا تعكس الرتب المتزايدة للطبقة المتوسطة المتعثرة. يعاني العديد من الأشخاص الذين كانوا يتمتعون سابقًا بالاستقرار المالي من تحديات يومية.
وقالت منار: “قبل عامين، لم تكن لدينا مشكلة في الحصول على الأساسيات”. “الآن أفكر مرتين قبل شراء الضروريات مثل الطعام والملابس.”
وفي وقت سابق من هذا الشهر، دافعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا عن أهداف البرنامج طويلة المدى، قائلة إن الإصلاحات ستؤدي إلى “اقتصاد مصري أكثر ديناميكية وازدهارًا”. ومع ذلك، فإن تأخر صندوق النقد الدولي في مراجعة برنامج القروض يسلط الضوء على المخاوف المستمرة بشأن تنفيذه. وإذا اكتملت المراجعة، فيمكن أن توفر 1.2 مليار دولار من التمويل الإضافي لمصر.
وعلى الرغم من هذه التأكيدات، يظل المصريون العاديون حذرين. بالنسبة لمنار، يبدو التفاؤل بعيد المنال. وتعتمد أسرتها على شقيقها المغترب، ليرسل لهم الأساسيات مثل القهوة سريعة التحضير، والتي يبلغ ثمنها الآن 400 جنيه إسترليني (8 دولارات).
وقالت: “كل ما يمكنني التفكير فيه الآن هو ما سنفعله إذا كانت هناك زيادات أخرى في الأسعار في المستقبل”.
ووصف وائل النحاس، الخبير الاقتصادي وأسواق رأس المال، برنامج قرض صندوق النقد الدولي بأنه “حبة مريرة يجب ابتلاعها”. ومع ذلك فقد اعترف بدوره في إجبار الحكومة على تبني إصلاحات منهجية.
وقال: “إن صندوق النقد الدولي يوفر أداة حاسمة للانضباط”. لكن وتيرة الإصلاحات يجب أن تأخذ في الاعتبار الحقائق الاجتماعية. »
وفي ترديد لهذا الشعور، أكد جمال من مبادرة الحقوق الشخصية المصرية على الحاجة إلى نهج أبطأ وأكثر تعمدا.
ويرسل المغتربون المصريون إلى وطنهم ما يقدر بنحو 30 مليار دولار سنويا، وهو شريان حياة حيوي للعائلات التي تكافح من أجل تغطية نفقاتها. ومع ذلك، فإن هذا التدفق من العملات الأجنبية لا يكفي لوقف موجة الصعوبات. وبالنسبة للطبقة المتوسطة التي كانت مزدهرة ذات يوم، أدى تآكل مستويات المعيشة إلى خلق حياة محفوفة بالمخاطر.
بينما تواجه مصر أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، اتسعت الفجوة بين الإصلاحات الاقتصادية والرفاهية العامة. بالنسبة للكثيرين، تبدو التضحيات التي تتطلبها التدابير المدعومة من صندوق النقد الدولي غير مستدامة، مما يحول الضروريات اليومية إلى كماليات لا يمكن تحقيقها.
#وتكافح #الطبقة #المتوسطة #في #مصر #مع #الإصلاحات #التي #يدعمها #صندوق #النقد #الدولي #وسط #الأزمة #الاقتصادية